الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه... أما بعد:
أخي الحبيب: إن الله تعالى فرض علينا أداء خمس صلوات في اليوم والليلة وهي بلا شك عمود الدين وركن من أركانه، كما شرع لنا صلوات دونها سميت بصلاة التطوع، فكل صلاة مشروعة في الإسلام زيادة على الفروض الخمسة الواجبة في اليوم والليلة يشملها اسم (صلاة التطوع).
عن طلحة بن عبيد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله لعيه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول: حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات في اليوم والليلة»، فقال: "هل علي غيرها؟"، قال: «لا إلا أن تطوع» [أخرجه البخاري].
فضل صلاة التطوع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يحاسب الناس به، يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، يقول ربنا عز وجل لملائكته وهو أعلم: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟، فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئا، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟، فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم» [صححه الألباني].
السنن الرواتب:
اعلم رحمك الله أن المقصود بالسنن الرواتب هي تلك الصلوات التي كان رسول الله يصليها أو يرغب في صلاتها مع الصلوات الخمس المفروضة قبلها أو بعدها.
وهي التي أشار إليها في قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا، غير فريضة، إلا بني الله له بيتا في الجنة، أو إلا بني له بيت في الجنة» [رواه مسلم].
وإليك - أيها القارئ الكريم - بيانها:
1 - راتبة صلاة الفجر: وهي ركعتان قبل الفريضة.
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» [رواه مسلم].
2 - راتبة صلاة الظهر وهي أربع ركعات قبل الفريضة وأربع أو اثنتان بعدها:
عن أم حبيبة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها حرم على النار» [أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني].
وله أن يصلي ركعتين بعدها لحديث عائشة قالت: "كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعاً ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين" [أخرجه مسلم].
3 - راتبة صلاة المغرب وهي ركعتان بعد الفريضة:
لحديث عائشة قالت: "...وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين" [رواه مسلم].
4 - راتبة صلاة العشاء وهي ركعتان بعد الفريضة:
لحديث ابن عمر قال: "حفظت من رسول الله عشر ركعات"، قال: "وركعتين بعد العشاء في بيته" [أخرجه البخاري ومسلم].
فضل صلاة الليل والوتر:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» [أخرجه مسلم].
وعن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً» [متفق عليه].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشر ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة..." [أخرجه مسلم].
ومن صلاة الليل صلاة التراويح في ليالي شهر رمضان ويشرع الاجتماع لأدائها وفيها فضل عظيم.
صلاة الضحى:
عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة؛ فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك، ركعتان يركعهما من الضحى» [أخرجه مسلم].
ويشرع للمسلم أن يصليها ركعتين أو أربعاً أو ستاً أو ثمانياً أو اثنتي عشرة ركعة، كل ذلك ثبت في الأحاديث.
صلاة ركعتين بعد الوضوء:
عن عمران مولى عثمان أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء فافرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما، ثم جعل يمينه في الإناء، فمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثاً ويديه ثلاث مرار، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه» [أخرجه الشيخان].
صلاة تحية المسجد:
يشرع للمسلم إذا دخل المسجد وأراد الجلوس فيه أن يصلي ركعتين.
فعن أبي قتادة السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس» [أخرجه الشيخان]. وفي رواية البخاري «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين».
الصلاة بين الآذان والإقامة:
عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة ثم قال في الثالثة لمن شاء» [أخرجه البخاري].
والمقصود بالأذانين هنا الأذان والإقامة.
صلاة التوبة:
عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]» [أخرجه الترمذي وأبو داود وحسنه الألباني].
الصلاة قبل الجمعة:
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل، ثم أتى الجمعة وصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته، ثم يصلي معه غفر له ما بين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام» [أخرجه مسلم].
السنة البعدية للجمعة:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً» [أخرجه مسلم].
صلاة القادم من السفر:
عن كعب بن مالك قال: ".. كان - يعني رسول الله - إذا قدم من السفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس" [أخرجه الشيخان].
صلاة الاستخارة:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كان رسول الله يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني استخيرك بعلمك…»" [أخرجه البخاري].
وهي سنة مؤكدة فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "خسفت الشمس في عهد رسول الله فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم سجد فأطال السجود ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى ثم انصرف وقد انجلت الشمس فخطب في الناس …" [أخرجه الشيخان].
ويشرع صلاتها في المسجد جماعة من غير أذان ولا إقامة.
صلاة العيدين:
وقد لازم النبي صلى الله عليه وسلم أداءها وأمر الناس بالخروج إليها.
عن أم عطية قالت: "أمرنا - تعني رسول الله - أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين" [أخرجه الشيخان].
صلاة الاستسقاء:
تشرع إذا منع المسلمون القطر وأجدبت الأرض.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه. قالت عائشة: فخرج رسول الله حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر فكبر، وحمد الله عز وجل ثم قال: «إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم» [حسنه الألباني]
ومن حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذلاً متواضعاً متضرعاً، حتى أتى المصلى فرقى على المنبر ولم يخطب خطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد" [أخرجه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني].
صلاة الجنازة:
الصلاة على الميت المسلم فرض كفاية وفيها فضل عظيم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد» [رواه مسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر عليه أربع تكبيرات [رواه البخاري].
صلاة ركعتي الطواف:
تصلى بعد كل سبعة أشواط، قال الله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125].
وجاء في حديث جابر الطويل في صفة حجته صلى الله عليه وسلم قال: ".. ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، فجعل المقام بينه وبين البيت، وكان يقرأ في الركعتين: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس" [رواه مسلم].
الصلاة في مسجد قباء:
عن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج حتى يأتي هذا المسجد - مسجد قباء - فصلى ركعتين كان له عدل عمرة» [أخرجه النسائي وصححه الألباني].
مسائل تتعلق بصلاة التطوع:
التطوع في البيت أفضل:
لحديث زيد بن ثابت وفيه: «فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» [رواه البخاري].
المداومة على التطوع أفضل وإن قل:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصير، وكان يحجره من الليل فيصلي فيه، وجعل الناس يصلون بصلاته، وبسطه بالنهار، فثابوا ذات ليلة فقال: «يا أيها الناس ،عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل» [متفق عليه].
صلاة التطوع عن قعود:
عن عمران بن حصين وكان ميسوراً، قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً"، قال: «إن صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد»" [أخرجه البخاري].
قال الترمذي: "معنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم في صلاة التطوع".
صلاة التطوع على الراحلة:
عن ابن عمر قال: "كان رسول الله يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة" [متفق عليه].
صلاة التطوع في السفر:
لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم في السفر الصلاة قبل المكتوية ولا بعدها، ولم يلتزم بالرواتب وإنما ثبت عنه التطوع المطلق.
عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله وهو على الراحلة يسبح يومىء برأسه قبل أي وجه توجه، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك في المكتوبة" [متفق عليه].
الجماعة في صلاة التطوع:
تشرع الجماعة في صلاة التطوع إلا أنه لا ينبغي المداومة عليها وفعلها في البيت أفضل:
فعن أنس بن مالك: أن جدته مليكة دعت رسول الله لطعام صنعته له، فأكل منه ثم قال: «قوموا فلأصل لكم»، قال أنس: "فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام رسول الله وصففت اليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله صلى الله عيه وسلم ركعتين ثم انصرف" [متفق عليه].
قضاء الراتبة مع الفائتة:
عن أبي هريرة قال: "عرسنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان»، قال: ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم صلى سجدتين، ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة" [أخرجه مسلم].
أفضل الصلاة طول القراءة:
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة طول القنوت» [أخرجه مسلم].
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى وجعلنا جميعاً ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
0 commentaires: